Skip to content Skip to footer

من أول الخط

في طفولتي كانت من أكثر المشاهد التي تُثير مشاعري وتُقلقُني،  منظر هذا  العملاق الذي يظهر في لمح البصر وتقف أمامه عيناي ساكنة، لـعلي  أستوعب هذه السُرعة التي يتحرك بها، وعدد الروؤس التي تطُل منه، دون أن أرى ملامح واضحة، لأ أرى إلا مشاعر ونظرات حائرة و مُتلهفة، لأ أسمع الإ صوت حركته على القضبان، يتوقف عقلي ويصغُر العالم حينها في نظري ليتمثل فقط في هذا  المشهد الذي يعلن سريعًا  عن نهايته، ليعود كل شىء كما كان، الإ ذلك التاثير الذي يتركه بداخلي ومشهد القطار الذي يكرر نفسه أمام عيناي  بإستمرار من حين لـ أخر

ظل هذا المشهد يُطاردني لـ أعوام، حاولت كثيرًا أن أكتُب عنه لـ أُفرغ ما بداخلي ويذهب عني شبح الطفولة ،ولكن ظل يأخذ حيزًا من عقلي و كأنه صنع لنفسه قضبان داخل رأسي

وبعد مرور عدة أعوام لم أعد أرى القطار، ولكني أصبحت أسمع صوته أقرب، أصبحت عيناي شبيهه لـ أعين ساكنيه،و وجدت نفسي أحد رُكاب القطار دون مُقدمات

 أعتقد أنني في رحلتي من الطفولة إلى الشباب كانت توازيها رحلة للقطار فكانت صورة هذا القطار تكبُر في مُخيلتي ، فقد أصبحت أرى المُجتمع ككل مُشابه تمامًا لهذا القطار، وكأنه هو

المجتمع الذي نعيشه الأن يسير بسرعة مُقلقة، تمر السنين بخفة كأنها ساعات، نستيقظ مُبكرًا

 لـ إنجاز بعض المهام التي لا تستغرق عدة ساعات لنجد الليل أتى مُلقيًا السلام دون أن يُعطينا فُرصة لنسأله  لما أتيت بهذه السُرعة؟

ننتقل ما بين المراحل التعليمية في غمضة عين، نتذّكر المواقف ونقف أمامها مُحاولين أن نُقنع أنفسنا أن هذا الحدث أو تلك الكلمة قد قيلت فعلًا منذ خمسة أو ستة  أعوام! وقبل أن تنتهي من الرد على رسائل التهنئة بيوم ميلادك، تجد نفسك على شرفة العام التالي لتستقبل تهنئة جديدة مُشابهة تمامًا لسابقتها، ولا تعلم كيف مر عامك بهذه السُرعة؟  

تسير الحياة برتمٍ سريع مُشابه لتلك الأجهزة الألكترونية والتكنولوجية التي تتطور وتنتج لنا كل جديد يومًا بعد يوم، قبل أن نعتاد على التحديث الأخير الذي ظهر لهاتفٍ أو جهاز ما

 يتقدم سريعًا ليعلن عن نفسه في ثوبٍ جديد أكثر تطورًا وحداثة

أصبحت الأشياء بلا معنى، تبذل أقصى ما بوسعك لتنجز ما تصنع دون الأهتمام بأن تستمتع أو تحصل على قسطٍ من الراحة لتنتقل لـ المهمة التالية، نقف  والوقت في حلبة مُصارعة نحاول أن ننتصر عليه ويقف هو مُبتسمًا بسُخرية مُعلنًا مع كل دقة عقرب للساعة بإنه المُنتصر

ولكن بسبب هذا الرتم السريع والحياة التي أصبحت لا تمشي، بل تقفز.. أصبحنا نتمتع  بكم هائل من المميزات، ككونك تنتقل من بلد لـ بلد في ساعات معدودة، تفعل كل ما تريد بضغطة زر،  ما كان ينجزه أجدادك في أيام أصبحت تفعله في ساعة واحدة و براحةٍ أكثر و مجهود أقل

 منذ طفولتي و إلى اليوم مازال منظر القطار يستوقفني، يُجبرُني أن أقف مُراقبة حركته، ولكن زادت  مع لعبة الطفولة لعبة أخرى، أصبحت أقف أمام الحياة بنفس الثبات والترقُب لتلك الحركة المُقلقة، تتشابه أعين ونظرات ساكني هذه الحياة مع النظرات التي حفظتها عن ظهر قلب من سُكان قطاري القديم

وفي كل يوم جديد أرى عربة من عربات قطار الحياة تمر أمامي، و كما عهدت من قطار طفولتي أن للعربات نهاية، سيعود كل شىء بعدها كما كان، يوما ما سأقف مودعة أخر عربة  لـ أذهب انا مع القطار، ويعودُ بعدي كل شىء كما كان

Leave a comment